كما أن للوالدين حقًّا على الأولاد، فكذلك للأولاد حق على الوالدين.
وكما أن الله – عز وجل – أمرنا ببر الوالدين، فكذلك أمرنا بالإحسان إلى الأولاد.
فالإحسان إليهم والحرص على تربيتهم أداء للأمانة، وإهمالهم والتقصير في حقوقهم غش وخيانة.
ولقد تظاهرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة آمرة بالإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم، محذرة من إهمالهم والتقصير في حقوقهم.
قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58].
وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته). وقال: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة).
من مظاهر التقصير والخطأ في تربية الأولاد:
بالرغم من عظم مسؤولية تربية الأولاد إلا أن كثيرًا من الناس قد فرط فيها، واستهان بأمرها، ولم يرعها حق رعايتها فأضاعوا أولادهم وأهملوا تربيتهم، فلا يسألون عنهم، ولا يوجهونهم. وإذا رأوا منهم تمردًا أو انحرافًا بدؤوا يتذمرون ويشكون من ذلك، وما علموا أنهم هم السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف كما قيل:
ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء
والتقصير في تربية الأولاد يأخذ صورًا شتى، ومظاهر عديدة تتسبب في انحراف الأولاد وتمردهم، فمن ذلك ما يلي:
1- تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع والفزع:
فمما يلاحظ على أسلوبنا في التربية تخويف الأولاد حين يبكون ليسكتوا، فنخوفهم بالغول، والبعبع، والحرامي، والعفريت، وصوت الريح، وغير ذلك.
وأسوأ ما في هذا، أن نخوفهم بالأستاذ، أو المدرسة، أو الطبيب، فينشأ الولد جبانًا رعديدًا يَفْرَقُ من ظل ويخاف مما لا يخاف منه.
وأشد ما يغرس الخوف والجبن في نفس الطفل أن نجزعَ إذا وقع على الأرض وسال الدم من وجهه، أو يده، أو ركبته، فبدلاً من أن تبتسم الأم، وتهدئ من رَوْعِ ولدها وتشعره بأن الأمر يسير تجدها تهلع وتفزع، وتلطم وجهها، وتضرب صدرها، وتطلب النجدة من أهل البيت، وتهول المصيبة، فيزداد الولد بكاءً، ويتعود الخوف من رؤية الدم، أو الشعور بالألم.
2- ربيتهم على التهور، وسلاطة اللسان والتطاول على الآخرين، وتسمية ذلك شجاعة :
وهذا خلل في التربية، وهو نقيض الأول، والحق إنما هو في التوسط.
3- تربيتهم على الميوعة والفوضى، وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ:
فينشأ الولد مترفًا منعمًا، هَمُّه خاصة نفسه فحسب، فلا يهتم بالآخرين، ولا يسأل عن إخوانه المسلمين، لا يشاركهم أفراحهم، ولا يشاطرهم أفراحهم.
فتربية الأولاد على هذا النحو مما يفسد الفطرة، ويقتل الاستقامة، ويقضي على المروءة والشجاعة.
4- بسط اليد للأولاد وإعطاؤهم كلَّ ما يريدون:
فبعض الوالدين يعطي أولاده كل ما سألوه، ولا يمنعهم شيئًا أرادوه، فتجد يدَه مبسوطة لهم بالعطاء، وهم يعبثون بالأموال ويصرفونها في اللهو والباطل، مما يجعلهم لا يأبهون بقيمة المال، ولا يحسنون تصريفه.
5- ومن ذلك إعطاؤهم ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد خصوصًا الصغار:
فيحصل كثيرًا أن يطلب الصغار من آبائهم أو أمهاتهم طلبًا ما، فإذا رفض الوالدان ذلك، لجأ الصغار إلى البكاء، حتى يحصل لهم مطلوبهم، عندها ينصاع الوالدان للأمر، وينفذان الطلب، إما شفقة على الولد أو رغبة في إسكاته والتخلص منه، أو غير ذلك.
فهذا من الخلل بمكان، فهو يسبب الميوعة والضعف للأولاد.
يقول الدكتور محمد الصباغ: (سمعت من مالك بن نبي – رحمه الله – أن رجلاً جاء يسترشده لتربية ابن له أو بنت ولدت حديثًا، فسأله: كم عمرها؟ قال: شهر. قال: فاتك القطار، قال: وكنت أظن بادئ الأمر أني مبالغ، ثم إني عندما نظرت – وجدت أن ما قلته الحق، وذلك أن الولد يبكي، فتعطيه أمه الثدي، فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد، ويكبر على هذا، فإذا ضربه اليهود بكى في مجلس الأمن يظن أن البكاء يوصله حقه).
6- شراء السيارات لهم وهم صغار:
فبعض الوالدين يشتري لأولاده السيارة وهم صغار، إما لأن الابن ألحَّ عليه في ذلك، أم لأن الأب يريد التخلص من كثرة طلبات المنزل ويريد إلقاءها على ولده أو لغير ذلك من الاعتبارات.
فإذا تمكن الولد من السيارة فإنه – في الغالب – يبدأ في سلوك طريق الانحراف، فتراه يسهر بالليل، وتراه يكثر الخروج من المنزل، وتراه يرتبط بصحبة سيئة، وربما آذى عباد الله بكثرة التفحيط، وربما بدأ في الغياب عن المدرسة.
وهكذا يتمرد على والديه، فيصعب قياده، ويعز إرشاده.
7- الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم:
إما بضربهم ضربًا مبرحًا إذا أخطؤوا – ولو للمرة الأولى – أو بكثرة تقريعهم وتأنيبهم عند كل صغيرة وكبيرة، أو غير ذلك من ألوان الشدة والقسوة.
8- شِدَّةُ التقتير عليهم:
فبعض الآباء يُقَتِّر على أولاه أكثر من اللازم، مما يجعلهم يشعرون بالنقص، ويحسون بالحاجة، وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال بطريقة أو بأخرى، إما بالسرقة، أو بسؤال الناس، أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء، وأهل الإجرام.
9- حرمانهم من العطف والشفقة والحنان:
مما يجعلهم يبحثون عن ذلك خارج المنزل، لعلهم يجدون من يشعرهم بذلك.
10- الاهتمام بالمظاهر فحسب:
فكثير من الناس يظهر أن حسن التربية يقتصر على الطعام الطيب، والشراب الهنيء والكسوة الفخمة، والدراسة المتفوقة، والظهور أمام الناس بالمظهر الحسن، ولا يدخل عندهم تنشئة الولد على التدين الصادق والخلق الكريم.
11- المبالغة في إحسان الظن بالأولاد:
فبعض الآباء يبالغ في إحسان الظن بأولاده، فتجده لا يسأل عنهم، ولا يتفقد أحوالهم، ولا يعرف شيئًا عن أصحابهم، وذلك لفرط ثقته بهم، فتراه لا يقبل عدلاً ولا صرفًا في أولاده، فإذا وقع أولاده أو أحد منهم في بلية، أو انحراف عن الجادة السوية، ثم نُبه الأب عن ذلك بدأ يدافع عنهم ويلتمس لهم المعاذير ويتهم من نبهه أو نصحه بالتهويل والتعجل والتدخل فيما لا يعنيه.
12- المبالغة في إساءة الظن بهم:
وهذا نقيض السابق فهناك من يسيء الظن بأولاده، ويبالغ في ذلك مبالغة تخرجه عن طوره، فتجده يتهم نِيَّاتِهم، ولا يثق بهم أبدًا، ويشعرهم بأنه خلفهم في كل صغيرة وكبيرة، دون أن يتغاضى عن شيء من هفواتهم وزلاتهم.
13- التفريق بينهم:
وهذا مظهر من مظاهر التقصير في تربية الأولاد، فتجد من الناس من يفرق بين أولاده، ولا يعدل بينهم بالسوية، سواء كان ذلك ماديًا أو معنويًا.
فهناك من يُفَرِّق بين أولاده في العطايا والهدايا والهبات وهناك من يفرق بينهم بالملاطفة والمزاح، وغير ذلك، مما يوغر صدور بعضهم على بعض، ويتسبب في شيوع البغضاء بينهم، ويبعث على نفورهم وتنافرهم.
ومن مظاهر التفريق بين الأولاد:
ما تجده عند بعض الآباء حيث يعطي أحد أبنائه الكبار مبلغًا من المال، ويشتري له سيارة، ويزوجه، ويشتري له قطعة أرض، وربما بناها له، فإذا قيل له: وما نصيب الصغار والبنات؟ قال: الصغار نعطيهم إذا كبروا، والبنات يتزوجن ويكفيهن الأزواج المؤونة!.
ولاشك في أن هذا كلام باطل ينافي العدل بين الأولاد، فمن الذي يضمن لهذا الرجل أن يعيش حتى يَكْبر أبناؤه الصغار؟ ومن الذي يضمن له أنهم سيعيشون حتى يكبروا؟ ومن الذي يضمن له أنه سيستمر على غناه ويساره حتى يَكْبَروا.
ثم إن البنات لهن حقٌ ولو تزوجن، فالذي يليق بالوالد إذا أعطى أحدًا من أولاده شيئًا أن يعطي الآخرين مثله أو أن يدخره لهم، أو أن يكتب على هذا المعطى أنه أخذ كذا وكذا، فإما أن يكون دينًا عليه، أو يحسم من حقه من الميراث بعد وفاة الوالد، وهكذا.
14- ترك المبادرة في تزويج الأبناء مع الحاجة والقدرة:
فبعض الآباء لا يبادر بتزويج أبنائه مع حاجتهم للزواج، وقدرته على تزويجهم. وهذا هو الخطأ بمكان، فهذا سبب لجناح الأولاد، وانحرافهم، وتعرضهم للفتن والمغريات.
15- تأخير تزويج البنات والمتاجرة بهن:
وهذا من الأخطاء الشنيعة، فبعض الآباء يؤخر زواج بناته، خصوصًا إذا كانت البنت مدرسةً أو موظفةً ينال من ورائها عرضًا من الدنيا، فيخشى إن تزوجت أن ينقطع عنه ذلك، وبعضهم يتاجر بها وينتظر من يتزوج بها بأغلى الأثمان، فهذا العمل جناية على البنات، فلربما أيس الخاطبون منهن، ورغبوا عنهن فيبوء والدهن بإثمهن.
16- تزويج البنات بغير الأكفاء:
فكثير من الناس لا يحرص على أن تتزوج ابنته برجل ذي دين وخلق، بل تجده يحرص على أن تتزوج بصاحب منصب، أو صاحب مال، أو يزوجها لقريب منه، بغض النظر عن دينه وخلقه ولاشك بأن هذا خطأ وتفريط وإضاعة للأمانة.
17- التسخط بالبنات:
وهذا قبل أن يكون خللاً في التربية، فهو خلل في العقيدة، بعض الناس إذا رزقه الله بنتًا تسخط بها، وضاق ذرعًا بمقدمها، ولاشك أن هذا الصنيع من أعمال الجاهلية وأخلاق أهلها، الذين ذمهم الله – عز وجل – في قوله: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58- 59].
وما أشبه الليلة بالبارحة، فلو زرت أحد مستشفيات الولادة في بلاد المسلمين، وقلَّبت طرفك في وجوه الذين ولدت لهم بنات، وراقبت كلامهم، وسبرت أحوالهم عند إخبارهم بذلك لوجدت توافقًا عجيبًا وتطابقًا غريبًا بين حال كثير من هؤلاء، وحال الجاهلين الذين قص الله علينا أمرهم.
وفي بعض المستشفيات قد يكتشفون ما برحم المرأة قبل الولادة، فإذا كان ما في الرحم ذكرًا بشروا، وإن كان أنثى أقْصَرُوا، بل ربما عَزَّوا – عياذًا بالله -.
فتسخط البنات أمر خطير وفيه عدة محاذير، منها:
أ- أنه اعتراض على قدر الله – عز وجل -.
ب- أن فيه ردًا لهبة الله بدلاً من شكرها، وكفى بذلك تعرضًا لمقت الله.
ج- أنه تشبه بأخلاق الجاهلية.
د- أنه دليل على السَّفَه والجهل والخلل في العقل.
هـ- أنه تحميل للمرأة ما لا تطيق، فبعضهم يغضب على المرأة بمجرد إتيانها بالأنثى.
و- أن فيه إهانةً للمرأة وحطًا من قدرها.
18- ومن صور التقصير في تربية الأولاد تسميتهم بأسماء سيئة:
فهذا خلل في التربية وجناية على الأولاد.
قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله: (إني تأملت عامة الذنوب والمعاصي، فوجدت الذنوب والمعاصي إذا تاب العبد منها تجذمها التوبة، وتقطع سيئ أثرها لتوها، فكما أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله وأكبره الشرك، فإن التوبة تَجُبُّ ما قبلها متى اكتملت شروطها المعتبرةُ شرعًا وهي معلومة أو بحكم المعلومة.
لكن هناك معصية تتسلسل في الأصلاب، وعارها يلحق الأحفاد من الأجداد، ويتندر بها الرجال على الرجال، والولدان على الولدان، والنسوة على النسوان، فالتوبة منها تحتاج إلى مشوار طويل العثار، لأنها مسجلةُ في وثائق المعاش من حين استهلال المولود في هذه الحياة الدنيا إلى ما شاء الله من حياته في شهادة الميلاد، وحفيظةِ النفوس، وبطاقة الأحوال، والشهادات الدراسية، ورخصة القيادة، والوثائق الشرعية، إنها [1]تسمية المولود التي تعثر فيها [2]الأب فلم يهتدِ لاسم يقره الشرع المطهر ويستوعبه لسان العرب، وتستلهمه الفطرة السليمة.
وهذه واحدة من إفرازات التموجات الفكرية التي ذهبت ببعض الآباء كل مذهب، كل بقدر ما أثر به من ثقافة وافدة وكان من أسوأها ما نفث به بعض المستغربين منها من عِشقٍ كَلِفٍ، وظمأ شديد لأسماء الكافرين، والتقاط كل اسمٍ رخوٍ متخاذل وعزوف سادرٍ عن [3]زينة المواليد الأسماء الشرعية).
فمن الأخطاء التي تقع في تسمية المولود ما يلي:
أ – تسميتهم بالأسماء الممنوعة المحرمة: كتسميتهم بأسماء الله المختصة به؛ مثل الأحد، الرحمن، الله، الخالق، ومن الأسماء المعبدة لغير الله – تعالى – مثل عبد النبي عبد الحسين، عبد علي، وكذلك تسميتهم بالأسماء الأجنبية الخاصة بأعدائنا من اليهود والنصارى وغيرهم.
مثل: جورج، وديفيد، ومايكل، وجوزيف، ويارا وديانا وجاكلين؛ لأن هذا يجر – ولو على المدى البعيد – إلى موالاتهم.
ب – تسميتهم بالأسماء التي يجب تجنبها والتي قد تكون محرمة: كتسميتهم بأسماء الجبابرة والطواغيت؛ أمثال فرعون، هامان، قارون، ومن كان على قافلتهم وعلى شاكلتهم مثل: ماركس، ولينين، وستالين، وفرويد؛ لأن التسمي بهم ينم على الرضا بأفعالهم، والمحبة لمناهجهم.
جـ – تسميتهم بالأسماء التي يظن أنها من أسماء الله – تعالى –: فهذه من الأسماء المكروهة شرعًا كالتسمية بـ: عبد المقصود، عبد الستار، وعبد الموجود.
د – ومن ذلك تسميتهم بالأسماء المكروهة أدبًا وذوقًا: وهي التي تحمل في ألفاظها تشاؤمًا، أو معانيَ تكرهها النفوس كحرب، وحمار، وكلب، ومرة.
هـ – تسمية الأولاد بالأسماء التي تسبب الضحك وتثير السخرية: مثل: شحات، وفلفل، وخيشة، وجحش، وبغل، وفجل.
و – التسمية بالأسماء التي توحي بالتميع والغرام وخدش الحياء: مثل: هيام، ومعناه: الجنون في العشق، وكذلك وصال، فاتن، فتنة، وشادية.
ز – التسمية بأسماء الملائكة: خاصة للنساء؛ إذ يخشى أن يكون تشبهًا بالمشركين.
ح – تسميتهم بالأسماء التي تتضمن تزكية دينية: مثل برة.
19- ومن صور التقصير في تربية الأولاد. المكث طويلاً خارج المنزل:
فبعض الآباء يهمل منزله، ويمكث طويلاً خارجه، مما يعرض الأولاد للفتن، والمصائب، والضياع، والانحراف، ومن مظاهر ذلك ما يلي:
أ- الاشتغال عن الأولاد بالبيع والشراء والتجارة، ولو عوتب الأب على ذلك – لقال: إنما أعمل لأجلهم.
ب- السفر الطويل خارج البلد للعمل أو النزهة.
جـ- العكوف الساعات الطوال مع الأصحاب في الاستراحات والمتنزهات.
د- إهمال البيت الأول إذا بنى الأب بزوجة جديدة، وسكن معها بمسكن جديد، فكم من الناس من يهمل بيته الأول إذا بنى بزوجة جديدة، فيضيع الأولاد، ويتشردون بسبب انشغال والدهم، وبعده عنهم.
هـ – كثرة خروج الأم من المنزل إما للأسواق أو للزيارات هذه بعض مظاهر المكث خارج المنزل، فكم في هذا الصنيع من إهمال للأولاد، وكم فيه من تعريض لهم للفتنة وكم فيه من حرمانهم من الشفقة والرعاية والعناية، وما أحسن ما قيل:
ليس اليتيم من انتهى أبواه مِن
همِّ الحياةِ وخلفاه قليلاً
إن اليتيمَ هو الذي تلقى له
أُمًّا تخلَّت أو أبًا مشغولاً
20- الدعاء على الأولاد:
فكم من الوالدين – وخصوصًا الأمهات – من يدعو على أولاده، فتجد الأم – لأدنى سبب – تدعو على ولدها البريء بالحمى، أو أن يقتل بالرصاص، أو أن تدهسه سيارة، أو أن يصاب بالعمى أو الصمم، وتجد من الآباء من يدعو على أبنائه بمجرد أن يرى منهم عقوقًا أو تمردًا ربما كان هو السببَ فيه.
وما علم الوالدان أن هذا الدعاء ربما وافق ساعة إجابة، فتقع الدعوة موقعها، فيندمان ولات ساعة مندم.
وقد قيل: إن الدعواتِ كالحجارة التي يرمى بها، فمنها ما يصيب ومنها ما يخطئ. ولهذا قال – عليه الصلاة والسلام: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم).
21- تربيتهم على سفساف الأمور، وسيئ العبارات ومرذول الأخلاق:
كتشجيع الأندية، وتقليد الكفار، وتعويد البنات على لبس القصير من الثياب، ومن ذلك تعويدهم على إطلاق العبارات النابية، والكلمات المقذعة، وذلك من خلال كثرة ترداد الوالدين لتلك العبارات، أو خلال نبز الأولاد بالألقاب عند مناداتهم، مما يجعل الأولاد يألفون هذه العبارات، ولا يراعون آداب الكلام.
22- فعل المنكرات أمام الأولاد:
كشرب الدخان، أو حلق اللحية، أو سماع الأغاني، أو مشاهدة الأفلام الساقطة، أو متابعة المسلسلات التلفزيونية، وكتبرج المرأة أمام بناتها، وكثرة خروجها من المنزل لغير حاجة، إلى غير ذلك، فهذا كله يجعل من الوالدين قدوةً سيئة للأولاد.
23- جلب المنكرات للمنزل:
سواء كانت من المجلات الخليعة، أو من أجهزة الفساد المدمرة، أو الكتب الجنسية التي تتحدث عن الجنس صراحة، أو غيرها من المنكرات.
فهذه وسائل تخريب، ومعاول هدم، وأدوات فساد وانحلال ومدارس لهدم العقيدة وتمييع الأخلاق، والتدريب العملي على ارتكاب الفواحش.
فهذه الوسائل لها قدرة كبيرة على الإقناع، ولها تأثير بالغ في تنحية دور الأسرة في التربية.
24- كثرة المشكلات بين الوالدين:
فهذا العمل له دوره السيئ على الأولاد، فما موقف الولد الذي يرى والده وهو يضرب والدته؟ ويغلظ عليها بالقول؟ وما موقفه إذا رأى أمه تسيء معاملة والده؟.
لاشك أن نوازع الشر ستتحرك في نفسه، ومراجل الحقد ستغلي في جوفه، فتزول الرحمة من قلبه، وينزع إلى الشّرِّ والعدوانية.
25- التناقض:
كأن يأمر الوالد أولاده بالصدق وهو يكذب أو يأمرهم بالوفاء بالوعد وهو يخلف أو يأمرهم بالبر والصلة وهو عاق قاطع، أو ينهاهم عن شرب الدخان وهو يشرب، وهكذا.
وليس معنى ذلك أن يترك الوالد نصح أولاده إذا كان مقصرًا أو مفرطًا في بعض الأمور، بل ينبغي أن ينصح لهم ولو لم يكن عاملاً بما يقول، وإنما المقصود بيان أن التناقض بين القول والفعل يفقد النصائح أثرها.
26- العهد للخادمات والمربيات بتربية الأولاد:
فهذا الأمر جد خطير، خصوصًا إذا كانت الخادمة أو المربية كافرة. فذلك مدعاة لانحراف الأولاد، وفساد عقائدهم وأخلاقهم.
27- ترك البنات يذهبن للسوق بلا محرم:
ولا شك أن هذا تفريط عظيم وإخلال بالأمانة، فمن الناس من يذهب ببناته إلى السوق فيمكثن فيه الساعات الطوال، يتجولن بين الباعة بدون محرم، مما يعرضهن للفتنة، ويجعلهن يفتن غيرهن، ولو قيل لبعض هؤلاء: لِمَ لا تنزل معهن إلى السوق؟ لقال: أستحي أن يراني أحدٌ! سبحان الله. أتستحي من الناس ولا تستحي من الله؟! أما تخاف العقوبة؟! أما تخشى الفتنة؟! لو كان عندك غنم ما تركتها بلا راعٍ يرعاها، أعرضك أرخص عندك من غنمك؟! أما تخشى عليه من الذئاب الضارية؟!
28- إهمال الهاتف وعدم مراقبته في المنزل:
فبعض الآباء – هداه الله – لا يلقي للهاتف بالاً، ولا يراقبه أبدًا بل ربما أعطى كل واحدٍ من أبنائه وبناته هاتفًا خاصًا في غرفته، وما علم أن الهاتف إذا أسيء استخدامه أصبح معول هدم وخراب، فكم جر من بلايا ورزايا، وكم قاد إلى الشرور والمحن، وكم انتهك بسببه من عرض، وكم خَرِب لأجله من بيت.
29- الغفلة عما يقرؤه الأولاد:
فالقراءة – ولا شك – تصوغ الفكر، وتؤثر في القارئ سلبًا أو إيجابًا.
فبعض الآباء لا يلقي لها بالاً، فلا يسأل عن قراءة أولاده ولا يوجههم إلى القراءة النافعة، ولا يحذرهم من القراءة الضارة.
30- احتقار الأولاد وقلة تشجيعهم:
ومن مظاهر ذلك:
أ – إسكاتهم إذا تكلموا، والسخرية بهم وبحديثهم مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه، قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه.
ب – التشنيع عليهم إذا أخطأوا: ولمزهم إذا أخفقوا في موقف أو تعثروا في مناسبة، مما يولد لديهم الخجل والهزيمة، ويُشعر الوالد بالعجب والكبرياء، فيتكون بذلك الحاجز النفسي بين الطرفين، فلا يمكن بعده للوالد أن يؤثر في أولاده.
جـ – ازدراؤهم إذا استقاموا: وهذا أشد مظاهر الاحتقار وأعظم صوره، فتجد من الآباء من يحتقر أولاده إذا رأى منهم تقىً وصلاحًا واستقامة وهداية، مما يجعلهم يضلون وعلى أعقابهم ينكصون، فيصبحون بعد ذلك علة عليه، وسببًا لجر البلايا إليه.
31- تربيتهم على عدم تحمل المسئولية:
فبعض الآباء لا يربي أولاده على تحمل المسئولية؛ إما لإراحتهم أو لعدم ثقته بهم أو لعدم مبالاته في تربيتهم.
فتجد من الآباء – على سبيل المثال – من لديه محلات تجارية كثيرة، وتجده يستقدم العمال من خارج بلاده، وربما كانوا من الكفار، وربما استعان بمن يعمل عنده من أهل بلده وأولادُه في المنزل لا عمل لهم، بل ربما عملوا عند غيره.
وقد يكون الأبناء مقصرين أو عاقين، ولكن ما دور الأب تجاههم؟.
32- عدم إعطائهم فرصة للتصحيح والتغيير للأفضل:
فبمجرد أدنى خطأ أو زلة تجد بعض الآباء يزري بولده ولا يكاد ينسى هذا الخطأ له، فإذا سرق الولد ناداه باسم السارق وإذا كذب ناداه باسم الكذاب، وكأن هذه الأخطاء ضربةُ لازب لا تزول، أو وصمة عارٍ لا تنمحي ومن هنا ينشأ الولد وفي نفسه أنه سارق أو كذاب، فلا يحاول التخلص من عيبه ولا يجد من يعينه على ذلك.
33- سوء الفهم لنفسية الأولاد وطبائعهم:
فكثير من الآباء لا يفهم نفسية أولاده، ولا يعرف طبائعهم وأمزجتهم، فالأولاد تختلف أمزجتهم وطبائعهم، فمنهم من يغضب بسرعة ومنهم من يتسم بالبرود، ومنهم من هو معتدل المزاج، فمعاملتهم بنمط واحد – بالرغم من تباين نفسياتهم – قد يتسبب في انحرافهم وميلهم.
34- عدم تقدير المراحل التي يمر بها الولد حتى يصبح رجلاً:
فتجد من الوالدين من يعامل الولد على أنه طفل صغير بالرغم من أنه قد كَبر، فهذه المعاملة تؤثر في نفس الولد وتشعره بالنقص.
35- الشماتة بالمبتلين:
فبعض الآباء إذا رأى مبتلىً بدأ يشمت به، ويتهم أهله بالتقصير في تربيته، بدلاً من أن يسأل الله السلامة لنفسه، والعافية لهذا المبتلى.
فكم من الناس من انحرف أبناؤه وضلوا بسبب شماتته، وذراية لسانه، وجرأته على الناس.
36- قلة الاهتمام باختيار مدارس الأولاد:
فكم من الآباء من لا يهتم بذلك، فتجده لا يسأل عن المدرسة التي سيدرس فيها ابنه، ولا عن المدرسين وسلوكِهم وأخلاقهم، ولا عن المناهج الدراسية، ولا عن نوعيَّةِ الطلاب الذين يدرسون في المدرسة مع ابنه.
37- إرسالهم للمدارس الأجنبية:
التي تفسد عقائدهم وأخلاقهم، خصوصًا إذا كانوا صغارًا، أو قليلي الحصانة في العلم والتقوى.
38- قلة التعاون مع مدارس الأولاد أو انعدامه بالكلية:
فكثير من الآباء لا يتعاون مع المدارس التي يدرس فيها أولاده، بل ربما لا يعلم أين يدرسون.
39- الدفاع عن الولد بحضرته، خصوصًا في المدرسة:
فقد يحدث أن يقوم أحد المدرسين أو المسئولين في المدرسة بتأنيب طالب من الطلاب أو عقابه، ثم يأتي والده وقد غضب غضبةً مُضريَّةً، وبدلاً من الحوار الهادئ مع صاحب الشأن، وبدلاً من أن يكون ذلك بعيدًا عن ناظري الولد، تجد الوالد يطلق العباراتِ النابيةَ على الأستاذ أو المسئول، ويصب جام غضبه عليه، وينزله في الحضيض بحضور ولده، ومن هنا تقل قيمة المدرسة في نفس الولد، ويشعر بالزهو والتيه والإعجاب بالنفس، فلا يكاد بعد ذلك أن يصيخ السمع للمعلمين والمربين.
تساؤلات:
هذه بعض مظاهر التقصير في تربية الأولاد، فماذا نؤمل بعد هذا الإهمال؟ وماذا سنحصد من جراء ذلك التقصير؟
أو بعد هذا نطمع في استقامة الأولاد؟ نحيطهم بكل ما يؤدي إلى الانحراف، ثم نرجو بعد ذلك صلاحهم وفلاحهم؟
ومن هنا نعلم أيه جناية نجنيها على الأولاد حين نقذف بهم إلى معترك الحياة في جو هذه التربية الخاطئة ثم ما أسرعنا إلى الشكوى منهم حين نراهم منحرفين أو عاقين أو متمردين ونحن قد غرسنا بأيدينا بذور هذا الانحراف أو العقوق.
أين تربيتنا في هذه الأعصار المتأخرة من تربية سلفنا الصالح الذين خرجوا لنا أكرم جيل، وأفضل رعيل لا يدانيهم أحد من بعدهم، ولا يبلغ شأوهم غيرهم.
فمن كان وراء هؤلاء الأبطال، ومن الذي صنع هؤلاء الرجال؟
إننا لو سبرنا أحوالهم، وتتبعنا سيرهم لوجدنا أن وراء كل واحد منهم أبًا عظيمًا أو أمًا عظيمةً يربون أولادهم على تطلاب الكمال ونشدان المعالي.
ولنأخذ فيما سيلي من حلقات نماذج لبعض الأمهات ممن كن وراء الخدور يربين الأولاد، ويغرسن الفضيلة في جوانحهم، ويثبتن دعائمها في مسارب دمائهم.
Prolonged Standing or money amulet Sitting: Occupations that need long periods of standing or sitting can tax leg capillaries, hindering blood flow and also triggering veins to come to be extra visible.