تأملات قرآنية


تأملات قرآنية للشيخ د. محمد بن إبراهيم الحمد

 

أما بعد:

فهذه تأملات قصيرة لاثنتي عشرة آية .

أولاً : في قوله – تعالى – في سورة طه : ( وأهش بها على غنمى )

دليل على أن نبي الله موسى – عليه السلام – كان يرعى الغنم , وما من نبي إلا وقد رعى غنم – كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم – .

ولعل السر في ذلك حصول التدرج من رعيا الغنم إلى رعيا الأمم , فالغنم فيها الهزيلة , والقوية , والملائمة , والنافرة , والسريعة , والبطيئة , فيحتاج راعيها إلى صبر , ومداراة , وسعة بال , ومراعاة .

وكذلك الحال بالنسبة للبشر , ففيهم العجول , وفيهم المتريث , وفيهم المبادر , وفيهم المتباطئ , وفيهم الغضوب , وفيهم الحليم , وهكذا …

فإذا وطن العاقل نفسه على حسن الرعاية للغنم كان ذلك عوناً له على حسن رعاية الأمم .

ثانياً : في قوله – تعالى – في سورة طه على لسان موسى – عليه السلام – : ( قال رب اشرح لى صدرى ) إلى قوله : ( كى نسبحك ) وقوله على لسان زكريا – عليه السلام – ( فهب لى من لدنك ولياً يرثنى ) أدب من آداب الدعاء , وهو نبل الغاية , وشرف المقصد وقريب منه قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اشف عبدك فلاناً ينكأ لك عدواً , ويمش لك إلى صلاة ) .

ثالثاً : قوله – تعالى – في سورة آل عمران : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) يفيد أن القلوب لا تجتمع إلى على من كان رفيقاً , رحيماً , ليناً , وأنها لا تقبل على صاحب القلب القاسي وإن بلغ من العلم والجاه .

رابعاً: في قوله _تعالى_ في سورة ص:( قال رب اغفر لى وهب لى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى ) أدبٌ من آداب الدعاء، وهو الطموح، وعلو الهمة، وعِظم الرغبة.

فسليمان _عليه السلام_ لم يكتفِ بسؤال الله المغفرة، ولكنه _لكِبَرِ نفسه، وعلو همته، وعلمه بسعة فضل ربه_ سأله مع ذلك مُلْكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده.

فكانت النتيجة أن أجاب الله دعاءه، وسخر له الريحَ، والشياطينَ، وإن له في الآخرة لَزُلْفى وحُسْنَ مآب.

خامساً: في قوله _تعالى_ في سورة الحشر:( ربنا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا بالإيمن ) إشارة إلى أنه يَحْسُن بالداعي إذا أراد أن يدعو لنفسه ولغيره أن يبدأ بنفسه ثم يثنِّي بغيره.

ولهذا الدعاء القرآني نظائر كثيرة من الكتاب والسنة.

سادساً: في قوله _تعالى_ في سورة القصص عن موسى _عليه السلام_: ( رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير ) إشارةٌ إلى سبب من أسباب إجابة الدعاء، وهو إعلانُ الافتقارِ إلى الله، وإظهارُ المسكنة إليه _عز وجل_.

سابعاً: في قوله _تعالى_ عن يونس _عليه السلام_ في سورة الأنبياء:( فنادى فى الظلمت أن لآ إله إلآ أنت سبحنك إنى كنت من الظلمين ) سببٌ من أسباب إجابةِ الدعاء، وهو إظهارُ الذلةِ، والإقرارُ بالذنب، ولهذا كان من أفضلِ الأدعيةِ الدعاءُ المعروفُ بسيد الاستغفار؛ لتضمنه ذلك المعنى.

ثامناً: في قوله _تعالى_ في سورة يوسف:( واستبقا الباب ) مشروعية الفرار من الفتن مهما بلغ الإنسان من العلم، والدين، والعقل.

تاسعاً: في قوله _تعالى_ في سورة النساء:( وخلق الإنسن ضعيفاً ) بيان لضعف الإنسان الجِبِلِّي، وفيه إرشادٌ له بألا يغرر بنفسه؛ فيلقيَ بها في مواطن الفتن؛ ثقة بعلمه، ودينه؛ فمن حام حول الحمى أوشك أن يرتع فيه.

عاشراً: في قوله _تعالى_ في سورة طه: ( رب اشرح لى صدرى ) بيانٌ لمدى حاجة الداعية إلى انشراح الصدر؛ حتى يتمكن من إيصال دعوته بأيسر كلفة، ولأجل أن يراه الناس على أكمل ما يكون من السرور؛ فتسري تلك الروح منه إلى المدعوين؛ فيتحقق مقصد من أعظم مقاصد الدعوة ألا وهو الوصول إلى السعادة.

أما إذا ضاق صدرُهُ، وقل صبرُه، فلن يقوم بعمل كبير، ولن يصدر عنه خير كثير.

وأما ما روي من أن النبي ” كان متواصل الأحزان فلا يثبت ذلك عنه.

حادي عشر: في قوله _تعالى_ في سورة طه:( وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لانسئلك رزقاً نحن نرزقك والعقبة للتقوى ) عزاءٌ لمن يلاقي ما يلاقي من جَرَّاء أَمْرِهِ أَهْلَهُ بالصلاة، وإيقاظهم لها خصوصاً صلاة الفجر؛ فقوله ﭽﯔﭼ أبلغ ما يكون من العبارات، ولا تغني عنها في هذا السياق لفظة أخرى؛ لما فيها من معنى المثابرة، والاستمرار على هذه الخصلة؛ كيف وقد خُتمت تلك الآية بضمان الرزق، وحسن العاقبة لمن كان هذا شأنه؟

فيالها من آية تبعث الرَّوح، وتُمِدُّ الإنسان بالصبر، واليقين.

ثاني عشر: في قوله _تعالى_:( اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ) الحجرات:12، إرشاد للإنسان بألا يسترسل مع الأوهام والخيالات التي ترد على خاطره؛ فإن أغلب الظنون كاذبة، وأكثر الخوف مدفوع.

ورب أمور لا تضيرك ضيرة * وللقلب من مخشاتهن وجيب

وإذا حسنت أفعال المرء حسنت ظنونه، واطمأنت نفسه، :

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم

وعادى محبيه بقول عداته * وأصبح في ليل من الشك مظلم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

 

 

المصدر: صفحة الشيخ على الفيس بوك


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *